السلاحف البحرية في سواحلنا... أكثر من مجرد زوار صيفيين

منذ سنواتي الأولى في العمل الميداني، وأنا أتعلم من البحر أكثر مما أتعلم من الكتب. لكن من بين كل الكائنات البحرية التي التقيتها، تبقى السلاحف البحرية هي أول من لمس قلبي... لأنها ليست فقط مخلوقات مدهشة، بل لأنها تذكرني دائمًا بأن الطبيعة تعرف طريقها، فقط إن نحن أفسحنا لها المجال.

رحلة إلى شاطئ بريدي ... وأكثر من مجرد مسح ميداني

في أحد أيام الصيف، كنا نُجري مسوحات بيئية في شاطئ منطقة بريدي شمال مدينة ينبع. كانت الشمس تغيب ببطء، والضوء ينعكس على الرمال الذهبية. فجأة، لمحت آثارًا ملتوية تقود من البحر إلى بقعة مرتفعة. مشينا بهدوء، وإذ بها أنثى من سلحفاة خضراء، تبحث في هذه الرمال عن منطقة مناسبة لوضع بيضها فهي لا تحفر وتضع في أي مكان بل تقوم بعملية هندسية حسابية معقدة تختبر بها المنطقة لتكون مناسبة لصغارها ولاحقا تجهز عشها في صمت مهيب. جلسنا خلفها نحترم طقوسها... لم نكن مجرد مراقبين، بل شهودًا على حدث من أعظم مشاهد الطبيعة.

في تلك الليلة، لم أنم من شدة الفضول. كيف تعود هذه السلحفاة بدقة إلى نفس الشاطئ الذي فقست فيه قبل أكثر من 20 عامًا؟ كيف تجد موقعه وسط مئات الشواطئ الرملية؟ كل شيء فيها يقول إن هذا الكائن يستحق كل جهدٍ نبذله لحمايته.

أدوار خفية وأهمية لا ترى بالعين المجردة

السلاحف البحرية ليست فقط رموزًا جمالية في البحر. بل هي مهندسات للنظام البيئي البحري:

• في مواقع مثل جزيرة جبل الليث والسواحل المرجانية شمال ينبع، رصدنا كيف أن تغذية السلاحف الخضراء على الحشائش البحرية تسهم في إبقائها صحية ومتجددة.

• أما منقارية الصقر، فهي تتغذى على الإسفنج، فتمنع هيمنته على الشعاب المرجانية وتسمح للمستعمرات المرجانية بالنمو.

• وجودها ينعكس على وفرة أنواع أخرى في النظام الغذائي، من الأسماك الصغيرة وحتى الطيور البحرية.

رسالة شخصية... من الباحث إلى القارئ

حين ترى سلحفاة بحرية تخرج من البحر وتزحف على الرمال لتواصل دورتها الحياتية، ستشعر بشيء لا يمكن وصفه. ستدرك أننا جزء صغير من منظومة أكبر، وأن بقاءنا مرهون بتوازنها.

رسالتي ليست علمية فقط، بل إنسانية أيضًا:

حافظوا على السلاحف... فهي من تبقي البحر حيًا.