صوت البحر: سيمفونية الطبيعة المخفية
رحلة في عالم الأصوات البحرية الساحر، حيث تتحول همسات المخلوقات البحرية إلى لغة تواصل بديعة، تكشف عن توازن البحر وسحره. نسافر مع “موج” لنكشف أسرار الطبيعة المخفية في عالم ينبض بالحياة والدهشة.
وجدان الخالدي
6/2/20251 دقيقة قراءة
يُعرف البحر بأنه عالم من الغموض والجمال، لكن ما لا يدركه الكثيرون هو أنّه أيضًا عالم مليء بالأصوات. في أعماق المحيطات والبحار، تتردد أصوات الكائنات البحرية في سيمفونية طبيعية دقيقة، تلعب دورًا أساسيًا في حياة هذه الكائنات وتوازن النظام البيئي البحري.
كيف تُنتَج الأصوات البحرية؟
الكائنات البحرية تعتمد على مجموعة متنوعة من الأساليب لإنتاج الأصوات. الدلافين والحيتان، على سبيل المثال، تصدر أصواتًا باستخدام صفارات ونبضات معقدة تُعرف بالصدى (Echolocation) للتواصل وتحديد مواقع الفرائس. الأسماك تصدر أصواتًا عبر اهتزازات مثانة السباحة أو عبر احتكاك أجزاء من هيكلها العظمي. حتى القشريات مثل الجمبري الصاخب (Pistol shrimp) تصدر صوتًا عاليًا من خلال فرقعة مخلبها، وهو صوت قوي بدرجة تُذهل العلماء.
وظائف الأصوات البحرية
تلعب الأصوات البحرية دورًا حيويًا في حياة الكائنات:
✅ التواصل: تُستخدم الأصوات لنقل رسائل بين الأفراد، سواء لتحذير الآخرين أو لجذب شريك للتزاوج.
✅ الملاحة: تُساعد الأصوات الكائنات البحرية مثل الحيتان على التنقل في المحيطات الواسعة، مستخدمةً الصدى لرسم صورة دقيقة للعالم من حولها.
✅ الدفاع: بعض الأسماك تصدر أصواتًا كوسيلة دفاعية أو لتحذير الكائنات المفترسة.
✅ الصيد: تُصدر بعض الكائنات أصواتًا لجذب الفريسة أو إرباكها.
التنوع الصوتي: عالمٌ غني من الأصوات
تشير الدراسات العلمية إلى أنّ الأصوات البحرية يمكن أن تكون منخفضة جدًا (مثل همهمات أسماك القاع)، أو عالية جدًا مثل أصوات الحيتان الحدباء التي تصل لمئات الكيلومترات.
وفي السواحل السعودية، تشارك الأسماك والشعاب المرجانية في هذه السمفونية أيضًا؛ حيث تصدر الشعاب المرجانية نفسها طنينًا خافتًا يُعتقد أنه جزء من بيئة التواصل.
تأثير الضوضاء البشرية
مع تطوّر العالم وتكاثر حركة السفن، صار البحر يُعاني من ضوضاء بشرية مستمرة، من أصوات محركات السفن التجارية إلى أجهزة السونار والمعدات البحرية الأخرى. هذه الأصوات ليست مجرد إزعاج مؤقت… بل هي تهديد صامت يربك حياة الكائنات البحرية.
تشير الدراسات العلمية الحديثة إلى أن الضوضاء البشرية العالية تُحدث تشويشًا في قدرة الكائنات على التواصل. الحيتان والدلافين، مثلًا، تعتمد على الأصوات للتواصل والملاحة وتحديد مواقع الفرائس. ومع الضجيج البشري المستمر، تصبح هذه الأصوات مشوشة وغير واضحة، مما يجبر الحيتان على الصمت أحيانًا أو على إصدار أصوات أقوى – الأمر الذي يستنزف طاقتها ويقلل فرصها في البقاء.
جنوح الحيتان: مأساة صامتة
واحدة من أبرز الآثار الكارثية للضوضاء هي ظاهرة جنوح الحيتان. يُعتقد أن الضوضاء الناتجة عن السفن وأجهزة السونار العسكرية تربك أنظمة الملاحة الطبيعية عند الحيتان، وتجعلها تضل طريقها. وقد تم توثيق حالات عديدة حول العالم، وحتى في المنطقة العربية، حيث جُنحت حيتان بشكل جماعي على الشواطئ، وفشلت في العودة للمياه العميقة.
تأثيرات بيئية أعمق
لا يقتصر أثر الضوضاء على الثدييات البحرية الكبيرة فحسب، بل يشمل الشعاب المرجانية والأسماك الصغيرة أيضًا. بعض الدراسات وجدت أن الضوضاء المستمرة تؤثر على معدلات التغذية عند الأسماك الصغيرة، وتغير سلوكها الطبيعي في البحث عن الغذاء والاختباء.
ختامًا:
صوت البحر ليس مجرد موسيقى عابرة، بل هو لغة حياة معقدة. في كل صفارة دولفين، في كل صوت تواصل تصدره الأسماك، تكمن قصة بقاءٍ وتواصل وتوازن. لهذا، حماية هذه الأصوات الطبيعية هي جزء من مسؤوليتنا جميعًا تجاه الطبيعة وعالم البحر الأزرق.
المراجع:
منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO): “تأثير الضوضاء البشرية على النظم البيئية البحرية.”
جمعية الحفاظ على الحيتان والدلافين (WDC): تقارير حول ظاهرة جنوح الحيتان.
دراسات علمية منشورة في مجلة Science وNature حول الأصوات البحرية وتأثيرها البيئي.
تقرير "الصوت الأزرق" الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) عن التلوث الصوتي البحري.
© 2025 موج – جميع الحقوق محفوظة
موج
هويتنا تنبض من أعماق البحر